صفات من لم ينتفع بعلمه... أتمنى أن يقرأها طالب العلم والداعي إلى الله خاصة وكل مسلم عامة فإنها جدا نافعة
الإمام الآجري رحمه الله في كتابه "أخلاق العلماء"، ذكر صفات من لم ينتفع بعلمه، وهي فوائد تشد لها الرحال، أوصي كل مسلم وخاصة طلاب العلم والدعاة إلى الله باقتطاع وقتٍ لقراءتها؛ فإنها مهمة ونفيسة، فقد نقلتها من المصدر المذكور بتصرف وزيادة ونقصان فيها حتى يسهل فهمها على كل أحد إن شاء الله؛ فمن صفات من لم ينتفع بعلمه ما يلي:
١) أن يكون همه معاشه مخافة الفقر أن ينزل به، لا يقنع بما عنده، مستبطئا لرزقه المكتوب.
٢) أن يكون شغل الدنيا دائم في قلبه، ولا يذكر الآخرة إلا خطرات.
٣) يطلب الدنيا بالحرص والتعب، ويطلب الآخرة بالتسويف والأماني.
٤) يذكر الرجاء عند الذنوب حتى لا يقلع عنها، ويذكر العجز عند الطاعة حتى لا يقوم بها، ويظن بهذا أنه يثق بالله في العفو ويحسن ظنه به تعالى وهو سبحانه لم يظمن له ذلك، بينما ظمن اللهُ له الرزق وأمره اللهُ أن يطمئن بذلك وهو لازال مضطرب القلب مشتغل بطلب رزقه المضمون أصلا.
٥) يطمئن ويسكن عند ذكر الموت وقد أُمِرَ أن يخافه، بينما لا يسكن ولا يطمئن من أجل رزقه بل يحذر ويخاف على رزقه وقد ضُمِنَ له وأمَّنَه اللهُ من أن يفوته ما قُدِّرَ له، فما أمنه اللهُ منه يخافه، وما خوفه اللهُ منه يطمئن به.
٦) يفرح بما آتاه اللهُ من الدنيا حتى ينسى بفرحه شكر ربه، ويغتم بالمصائب والإبتلاءات حتى تشغله عن الرضا بربه وبأقداره تعالى، فإن أصابه بلاء فزع إلى الخلق والإستعانة بهم دون الخالق جل في علاه.
٧) لا يطلب من الله الفرج إلا إذا أيس من الفرج من الخلق، فإن فرَّجَ همه مخلوقٌ نسي مولاه وخالقه، ومن صنع إليه معروفا غلب على قلبه حبه وشغل قلبه بذكره وشكره ناسٍ في جميع ذلك مولاه وخالقه جل جلاله الذي رزقه ورزق من أعطاه وسخره له.
٨) يبذل لمن يرجو منه نفعا ونوالا، ويبخل على من لا يستطيع مكافئه ورد جميله.
٩) يمدح من أحبه بالباطل، ويذم من يبغضه ولو بالباطل، فهو لا يثني لله ولا يذم لله بل لهوى نفسه.
١٠) يقطع بالظنون ويبني عليها أحكاما، ويحقق بالتهم.
١١) يكره أن يظلم من يستطيع الانتصار لنفسه أو من له من ينتصر له، ويسهل عليه أن يظلم من لا ناصر له إلا الله جل في علاه.
١٢) يثقل عليه ذكر الله، ويخف عليه فضول القول، وكثرة الكلام.
١٣) إن كان في رخاء وسعة من عيش فرح ولهى وطغى وبغى، وإن زال عنه رغد العيش والرخاء شغل قلبه بقلة ذات اليد عن الواجبات فيظل مهموما بسبب عسر حاله كما يشغله عن الواجبات والطاعات، وظن انه لن يفرح إبدا.
١٤) إن مرض سارع بالتوبة وأظهر الندامة وعاهد الله أن لا يعود، وإن وجد الراحة نقض التوبة ورجع إلى المعصية سريعا.
١٥) إن خاف الخلق أو رجا دنياهم أرضاهم بما يكره ربه تعالى، وإن خاف الله كما يزعم لم يرضه بما يكره الخلق.
١٦) يستعيذ بالله من شر من فوقه من العباد، ولا يعيذ من هو دونه من الخلق من شر نفسه.
١٧) لا يشتفي إلا بإمضاء غيظه ولو كان مما يسخط ربه.
١٨) ينظر إلى من فُضِّلَ عليه في الرزق فيستقل نعم ربه عليه فلا يشكره، ولا ينظر إلى من هو دونه في الرزق فيشكر النعمة.
١٩) يتشاغل بالفضول عن الصلوات إلى آخر وقتها، فإن صلى صلى لاهيا عن صلاته غير معظم لمولاه إذا قام بين يديه.
٢٠) إذا طال إمامه الصلاة مله وذمه وإن خففها اغتنم خفته وحمده.
٢١) قليل الدعاء إلا إذا نزلت به الشدائد والإبتلاءات، فإن دعا فبقلب مشغول بالدنيا.
قال الإمام الآجري رحمه الله تعالى: هذه الأخلاق وما يشبهها تغلب على قلب من لم ينتفع بالعلم.
قلتُ: وخلاصة ما تقدم أنه ينبغي على المسلم أن تسكن نفسه إلى خالقه ومولاه جل في علاه وأن لا يلتفت إلى الدنيا البتة فإنه آتيه ما كُتِبَ له منها لا محالة، وأن يبذل كل جهده في مراضي ربه تعالى وفي طاعته سبحانه وفي عبادته تبارك وتعالى فقط ولا يخاف من رزقه مهما أصابه من فقر وحاجة وقلة ذات اليد فإنه إن شغل قلبه بالله كفاه اللهُ المؤنة وإن شغل قلبه وباله بالرزق وبالدنيا شغله ذلك عن طاعة الله كما ينبغي وبدون فائدة تذكر؛ لأنه لن يحصل قطعا إلا على ما قدَّره اللهُ له، فلماذا الهم والغم والحسرة وقتل الأوقات على دنيا سيأتيك منها ما كُتِبَ لك ولن تموت قطعا إلا وقد أخذتَ كل رزقك حتى ولو حبة شعير أو شربة ماء، فاهدئ وسكِّنْ قلبك واشغله بربك وبما يرضيه تعش سعيدا مطمئنا هادئ البال دائما وابدا، واعمل بما تعلم وإلا رجع علمك حجة ووبالا عليك، هذا وليس بالضرورة أن تتوفر في المسلم هذه الأخلاق الشنيعة السيئة كلها بل إذا توفرت فيه بعضها أو واحدا منها فليعلم انه لم ينتفع بالعلم في ذلك الباب من العلم بعينه، وهكذا، وأما من توفرت فيه هذه الصفات السيئة المذكورة كلها فلا شك في نفاقه وسوء خلقه وفساد علمه ونيته، فليبادر إلى إصلاح نفسه والتوبة النصوح من هذه الأخلاق السيئة الرديئة، نسأل الله العظيم الكريم الحي القيوم الذي لا إله إلا هو أن يعافينا ويسلمنا من هذه الآفات جميعها، وأن يجعلنا من المفلحين، وأن يجعلنا صادقين مُصدَّقين صديقيين.
🖋 قايد بن غانم الشابرة
(٣ ربيع الآخر ١٤٤١)