🌿 الفقه العلاجي من كلام العلماء المسلمين لحديث الحبة السوداء 🕚 :
📝 أولا : الحديث
أخرجه البخاري ( 5363 ) حدثنا عبدالله بن ابي شيبة حدثنا عبيد الله حدثنا اسرائيل عن منصور عن خالد بن سعد قال خرجنا ومعنا غالب بن ابجر فمرض في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض فعاده ابن ابي عتيق فقال لنا عليكم بهذه الحبيبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في انفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب فان عائشة حدثتني انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم يقول : [ ان هذه الحبة شفاء من كل داء الا من السام ]
📝 ثانيا : ماهي الحبة السوداء المقصودة في الحديث ؟
حصل خلاف بين اهل العلم والخبرة في تحديد ماهية الحبة السوداء لان البذور السوداء كثيرة ، ومن هنا تناقضت وصفات الاطباء في بعض وصفاتها فذلك يوصفها مثلا للمشاكل الجلدية وذلك يحذر منها بشدة للمشاكل الجلدية والسبب ان الاول يقصد بها الكمون والثاني يقصد بها الشونيز
ومن هنا اطرح بين يديكم خلاصة الاقوال
1ـ الشونيز
وهو ترجيح ابن مفلح ، والشهاب ، والقرطبي ، وابن الجوزي ، وابن طرخان ، وابن طولون ، وابن القيم ، والذهبي
2ـ الكمون
وهو ظاهر ترجيح العلامة العيني قال وكانت عادتهم جرت ان يخلط ( اي الكمون ) بالملح
وبعضهم يقول ان هناك نوع من الكمون هو نفسه الشونيز وهو ظاهر كلام ابن القيم .
3ـ الخردل
وهو مذهب الحسن البصري
4ـ ثمرة البُطم
وهو مذهب ابوعبيد الهروي ، والبُطم اسم شجرها ( الضرو ) كثيرا ماينبت في البلاد الشمالية وهو حب اخضر يقارب الحمص ياكله اهل البلاد كثيرا ويجعلونه في الاقراص ويستخرجون منه الدهن
وكانوا يطلقون على الاخضر اسود
5ـ بذر البصل
رأيت من المعاصرين من يرجح ذلك معللا انها من الحبوب السوداء وانها تحمل فوائدا اكثر من غيرها من الحبات السوداء ولكن لم اجد مستندا قديما لترجيحه
👍📚 القول الراجح :
قال العلامة الامام القرطبي رحمه الله :
تفسير الحبة السوداء بالشونيز أولى من وجهين أحدهما أنه قول الاكثر والثاني كون منافعها اكثر بخلاف الخردل والبُطم اهـ
واما قول من يقول ان كل حبة سوداء فهي الحبة السوداء فهو قول خطاء لان لفظ الحديث ( الحبة السوداء ) وليس ( الحبوب السوداء ، زد ان ( ال ) للتعريف فيفهم منه ان المقصد الحبة المتعارف عليها بمجرد سماع اللفظ
📝 ثالثا : الاستخدام
قال العلامة ابن طولون في المنهل الروي في الطب النبوي ( ص/172 ) :
الشونيز حار يابس في الثالثة ، وذكر الذهبي في الطب ( ص/43 ) عن البخاري انه قال في الثانية .
تحديد العدد في وصف ابي عتيق كما في قوله : ( خمسا او سبعا ) ، وهذا يعود لاسمها واسمها ( الحبة السوداء ) فيكون مقصوده خمسا اوسبعا ، اي حبات وليس غرفات بملعقة او غيرها ، ويؤيد ذلك ماذكره ابن عبد البر المالكي في شرح السنة ( 142/ 12 ) حيث قال :
كان قتادة ياخذ كل يوم احدى وعشرين حبة يجعلهن في خرقة فينقعها فيسعط به كل يوم
في منخره الايمن قطرتين وفي الايسر قطرة
والثاني في الايسر قطرتين وفي الايمن قطرة
والثالث في الايمن قطرتين وفي الايسر قطرة اهـ
ومع ذلك فهذه ليست هي الطريقة الوحيدة فقد يستخدم اكثر او اقل كما سيأتي فالجرعة تعود للطبيب بحسب حالة المريض
📝 رابعا : اقوال العلماء في فقه الحديث وتوجيهه
1⃣ ـ قال ابن بطال في شرحه للبخاري ( 397/9 ) :
هذا الحديث يدل عمومه على الانتفاع بالحبة السوداء في كل داء غير داء الموت كما قال عليه الصلاة والسلام الا انه امر ابن ابي عتيق بتقطير الحبة السوداء بالزيت في انف المريض لايدل ان هكذا سبيل التداوي بها في كل مرض فقد يكون من الامراض مايصلح للمريض شربها ايضا ويكون منها مايصلح خلطها ببعض الادوية فيعم الانتفاع بها منفردة ومجموعة مع غيرها ، والله اعلم اهـ
2⃣ ـ وذكر الامام بدر الدين العيني الحنفي في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري ( 300/31 )
ان الموفق البغدادي اول كلمة ( الا السام ) اي اكبر الادواء
3⃣ ـ قال الخطابي كما في عمدة القاري ( 31 / 301 ) :
هو من العموم الذي يراد به الخصوص وليس يجتمع في شي من النبات جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة. الادوية وانما اراد شفاء كل داء يحدث من الرطوبة والبلغم لانه حار يابس اهـ
4⃣ ـ وقال الكرماني كما في المصدر السابق :
يحتمل ارادة العموم بان يكون شفاء للكل لكن بشرط تركيبه مع الغير ولامحذور فيه بل تجب ارادة العموم لان جواز الاستثناء معيار وقوع العموم فهو امر ممكن اهـ
5⃣ ـ وقال ابوبكر بن العربي كما في المصدر السابق :
العسل عند الاطباء أقرب الى ان يكون دواء لكل داء من الحبة السوداء ومع ذلك فان من الامراض مالو شرب صاحبه العسل لتأذى به واذا كان المراد بقوله : { فيهِ شِفاءٌ للناسِ } الاكثر الاغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى اهـ
كما ذكر بعض العلماء في تاويل الحديث انه شفاء لكل داء الا الموت للشخص الذي وصف له العلاج نفسه لانها تناسب طبعه ومزاجه فيكون المعنى خاص به وعام لكل منهم مثله في الطبع والمزاج
6⃣ ـ قال العلامة بدر الدين العيني بعد ذكره لقول ابن العربي في المصدر السابق ( 31/ 301 ) :
وقال غيره : كان يصف الدواء بحسب مايشاهده من حال المريض فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض مَن مزاجه بارد فيكون معنى قوله ( شفاء من كل داء ) اي من هذا الجنس الذي وقع فيه القول ، والتخصيص بالحيثية كثير شائع اهـ
7⃣ ـ قال الامام ابن الجوزي في كشف المشكل ( 1 / 1238) :
ويشبه ان يكون مرض هذا الذي وصف له ابن عتيق هذا الوصف الزكام فان المزكوم ينتفع بريح الشونيز اهـ
8⃣ ـ قال العلامة ابن القيم في كتابه الطب النبوي ( ص / 368 ) :
وقوله ( شفاء من كل داء ) مثل قوله تعالى : { تُدمرُ كل شيء } اي يقبل التدمير ، ونظائره
وهي نافعة من جميع الامراض الباردة وتدخل في الامراض الحارة اليابسة بالعرض فتوصل قوى الادوية الباردة الرطبة اليها بسرعة تنفيذها اذا اخذ يسيرها اهـ
9⃣ ـ قال العلامة ابن طولون الحنفي في كتابه المنهل الروي في الطب النبوي ( ص/ 173 ) :
قال الذهبي : . . . وينفع من من جميع الامراض الباردة وينفع من الحارة مع غيره ليسرع تنفيذها وهذا مثل تركيب الاطباء الزعفران وقرص الكافور اهـ
📝 خامسا : تقديم قول الاطباء على كلام رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن ابي حمزه رحمه الله في المصدر السابق كتاب عمدة القاري :
تكلم ناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه الى قول اهل الطب والتجربة ولايخفى غلط القائل بذلك ، لاننا اذا صدقنا اهل الطب ومدار علمهم غالبا انه مبني على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لاينطق عن الهوى اولى بالقبول من كلامهم اهـ
قلت ( انور الرفاعي ) :
كلام اهل الطب فيما عندنا فيه نص صحيح من السنة على قسمين اثنين :
الاول : كلام فيه انكار لاصل الحديث النبوي فهذا نرده ولانقبل به وقبوله قد يدخل في الكفر عياذا بالله
الثاني : كلام فيه تأويل وتوجيه لنص الحديث بما لايخالف الوجهة الشرعية فهذا نقبله ولاعيب في ذلك .
👆قصة عجيبة في موقف الاطباء من علاج مريض وكيف فاقهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم 👇
قال العلامة حقي مصطفى الاستانبولي الحنفي الخلوتي في كتابه ( تفسير روح البيان ) ( 3/ 244 ) :
قال الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره فى وصايا الفتوحات ولقد ابتلى عندنا رجل من اعيان الناس بالجذام نعوذ بالله منه وقال الاطباء باسرهم لما ابصروه وقد تمكنت العلة فيه ما لهذا المرض دواء فرأه شيخ من اهل الحديث يقال له سعد السعود وكان عنده ايمان بالحديث عظيم فقال له يا هذا لم لا تطيب نفسك فقال له الرجل ان الاطباء والنبى عليه السلام احذق منهم وقد قال فى الحبة السوداء « انها شفاء من كل داء » وهذا الداء الذى نزل بك من جملة ذلك ثم قال على بالحبة السوداء والعسل فخلط هذا بهذا وطلى بهما بدنه كله ووجهه ورأسه الى رجليه وألعقه من ذلك وتركه ساعة ثم انه غسل فانسلخ من جلده ونبت له جلد آخر ونبت ما كان قد سقط من شعره وبرئ وعاد الى ما كان عليه فى حال عافيته فتعجب الاطباء والناس من قوة ايمانه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان رحمه الله يستعمل الحبة السوداء فى كل داء يصيبه حتى فى الرمد اذا رمدت عينه اكتحل بها فبرى من ساعته انتهى كلام الشيخ
فقد عرفت ان الاطمئنان وقوة الايمان يجلب للمرء ما يهواه بعناية الملك المنان لكنه قليل اهله خصوصا فى هذا الزمان والله المعين اهـ
كتبه : ابوالعباس السيفي انور بن محمود الرفاعي
عضو في الاكاديمية الدولية لعلوم الاعشاب
https://telegram.me/anwar2014w